ليْستِ المُعجزةِ في إخراجِ الناقةِ وحسب، ولا هي في عصًا صُيِّرت حيَّة تلقف ما يأفكون وحسب‘ ولا هيَ في نارٍ جُعلت بردًا وسلامًا وحسب!! بل إنَّ المعجزات تمتدَّ وتظلَّ ماشاء الله من الزمان وإلى يومِ يُبعثون واضحة جليَّة يهدي بها من أرادَ الهداية ويضلُّ بها الفاسقين .
وأرى والله أعلم - وليصوِّب - لي اخواتي إن أخطأتُ في توضيح فهمي وتصوُّري أنَّ معجزات الأنبياء السابقين التي أجراها الله على أيديهم - كعصى موسى - أو لهم - كالنار التي صارت بردًا وسلامًا على ابراهيم - هي معجزات آنية ، بمعنى : أنها كانت في زمانها ومكانها وظروفها وسبحان الله وهذا علَّهُ يكون بسبب خصوصية دعوتهم يعني أنها لقومٍ مُعيَّنين وَ آنيتها ، في حين أنَّ كثير جدًا من آياتِ رسولِ الله محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلام باقية ماعاش شيْخٌ وصبي لأنَّهُ بُعثَ نذيرًا وبشيرًا للناس أجمعين إلى يومِ يُبعثون ، فكانت الهدف والحكمة تقتضي إستمرارية مُعجزاته صلى الله عليهِ وسلَّم إلى ما بعد وفاته حُجَّةً على الناس كافة بل وإلى قيام الساعة { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } ، أمَّا أعظم آياتِهِ وأهمَّها وأكبرها هو القرآن الكريم بأخبارهِ وعلومه ولغته وأحكامه... ، أضِف إلى ذلك دلائل وبراهين نُبُوَّته من إخبارٍ للغيبِ نراهُ اليومِ في علامات الساعة وأحداثِ الزمان وكذا في مجال المُداواة بما أخبرنا به من أعشاب وأطعمة المُتوافقة مع آخر الدراسات والمستجدات العلمية في المجال و... إلخ ، قال تعالى { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } .

 وقد يُقصد بلفظ آية أيْضًا - بخلاف آيات القرآن - وهي العلامات والدلالات والواضحات في كتاب الله المنظور وفي أنفسنا حيْثُ قال جلَّ وعلى { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ، وهذه الآيات كانت من قبلُ أن يُخلق الإنسان ، وقد كانَ ابراهيم عليهِ السلام من الموقنين بوحدانية الله وربوبيته وقدرته بسبب هذه الآيات قال تعالى { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ، بل إنَّهُ جعل منها – بفضل الله – حُجَّةً دمغ بها النمرود في قصَّة المناظرة أو المُحاججة { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
وأستطيع ضرب الأمثلة لكَ من واقع الحياة بدايةً من استدلال الأعرابي مرورًا بالعديد من البراهين الفيزيائية الحديثة ..

 لن تكونَ ارحمَ من الله بعبادِه { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }ولا أعلم بهم منه وهو القائل جلَّ في علاه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } فإنَّك على زعمك تقول أنَّ المعجزات التي أجراها الله بإذنه على أيدي أنبيائه كانت قويَّة جدًا وتؤكد على وجوده فلماذا إذن لم يؤمن فرعون موسى من فوره عندما رأى البحر وقد انفلق ؟؟ بل المعاند معاند والمكابر مكابر والكافر كافر حتى يقول { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } من بعدِ ما أراهم الله من معجزات – يعني اليهود – من العصا الأفعى واليد البيضاء وفلق البحر .. كمثل هؤولاء قومٌ كالبهائم بل أضل .

فاستَرِح واهدأ ، لن تكونَ أرحم بالعبادِ من ربِّ العباد ، فالله أرحَمُ بعبادهِ من رحمةِ الأمِّ بولدها ، تتعدت الطُرق التي توصل إلى الله ولكن من يخضع لها ؟ قُل من يسلكها ؟ ومن يكون صادقًا إذا سلكها ؟ نسأل الله لشبابنا الهداية ، اللهمَّ الطف بهم وفهِّمهم وعافهم واعفُ عنهم ، أسأل الله كرمًا منهُ وفضلاً أن يكونَ الإشكال قد أُزيل ومُحِي الإستفهامُ عنْكَ .. وفقكَ الله ويسَّرَ لكَ جميع أمرك .
________________
* الرسالات والرسل لعمر الأشقر رحمهُ الله .